يمثل كتاب (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب) نموذجاً للسرد الكلاسيكي الذي تتخلل نصوصه مختلف الأشكال السردية: كالسيرة، والرحلة، والترجمة، والحكاية، والخبر، وقد جعلت الدراسة من الخبر وبنائه مجالاً للحفر المعرفي، وذلك بوصف الخبر النوع المهيمن والمشارك لمختلف الأشكال السردية التي تتشكل منها المدونة. إن أخبار كتاب النفح ليست مجموعة من الأخبار التي يتم الدمج بينها فحسب، إنما هي مجموعة معقدة من العلاقات الموجهة بقصد من قبل منتج المدونة، إلى متلق حاضر في ذهن المؤلف دوماً، لذلك سارت الدراسة على خطين متوازيين، يقع بينما التقاطع في كثير من الأحيان، ففي المسار الأول تقوم الدراسة على رسم بنية النص الخبري، وتكشف عن أشكال التشكل السردي فيه على مستوى الحكاية والخطاب، أما الجانب الآخر من الدراسة، فتغوص في أعماق النص الخبري، والسياق الذي تم توظيفه فيه، لتخرج مختلف الوظائف التي تقبع خلف ستار الخبرية، وتبين النص الموازي الذي يمثل مقصود المتكلم لا منطوق الخبر، إذ يحمل المؤلف والسياق الخبر طاقات مختلفة، فيشهد الخبر على الفكرة، ويعرف بالشخصية، وينتقد العمل، ويحاول أن يقنع المتلقي بمختلف الآراء، لذلك وظفه المؤلف في كتابه نفح الطيب، وجعل منه أحد اللبنات الأساسية في بناء المدونة، إذ الخبر أحد الأنماط الحكائية التي تستطيع تصوير الحياة في المجتمع الأندلسي بمختلف أشكالها الاجتماعية، والأدبية، والثقافية.